الحب على فراش الموت
عندما يكتب الإنسان قصة خيالية فهو يصورها ويضع لها بصمات توضح معناها وتكشف عن هويتها ، وفي هذه القصة والتي كتبتها نتيجة لمعاناة كانت تعيش في نفسي وتجري مجرى الدم فتكشف عن حقيقة كانت تختفي وراء جدار الصمت تلك المعاناة كانت تصادفني كل ليلة في ساعات متأخرة من الليل فترسم لي طريق اليأس والندم وتجعل الآهات تسلك مجراها الصحيح في قلبي وتزداد معاناتي بأسلوبها الممييز والذي يرمز لأشياء حسية أعيشها في عصر يخلو من الحب أو قد يوجد فيه حب ولكن سرعان ما ينتهي فهو كالشمعة في الظلام تحترق فتضيء لفترة وجيزة ثم تنطفئ ولا تضيء مرة أخرى .
إما الحب الحقيقي فلا تجده إلا عند القليل ولا تجده أبدا يرسم لهم طريق السعادة والرخاء فكل منهم يعاني من مشاكل الحب فيكتم كل شخص ما يعاني في قلبه ولا يظهره إلا في وقت تكون العبرات هي اللسان الذي يتحدث به وتكون الدمعة هي العين التي يرى بها فتكتب ما يعانيه على صفحات يراها سوداء وهي في الحقيقة بيضاء .
وهذا ما حدث معي .
فقد أحبت إنسانه تحمل بصمات قلبي على نار الهجر وبعد ان تربعت على عرش قلبي بدأت تغزوه من الداخل الى أن طعنتني بخنجر سام استمر في طريقه الى قلبي حتى وصل نقطه في المنتصف وقطن بها منذ سنين فلم استطع إزاحته من مكانه واستمرت الجراح تنزف تكتب كل حرف من اسمها ملطخا بدماء الحب الجريح يحمل معه أحلى الذكريات .
ولكي تصل هذه القصة الى قلوب البشر صورت الحب بإنسان يتحدث وهو يحتضر فيكشف عن هويته التى ذابت في دماء المظلومين ويوضح حقيقة يجهلها الكثير ، وهي ان للحب شخصية في قلب كل إنسان مهما كانت قسوته ومهما ازدادت شراسة فهناك نقطة ضعف يصل إليها الإنسان في القلب وهي الحب وعلى الرغم من أنني أطلقت عليها نقطة ضعف فهي ليست كذلك بل هي أقوى ما يربط الناس بعضهم ببعض لكنها مختفية وراء شهوات الدنيا والتي جعلت الإنسان يغفل عن شئ اسمه حب بل وينكره ولا يذكر سوا حب الذات وحب المادة .
ذلك هو ما شعرت به أنا خلال مجالستي مع الناس واختلاطي بهم فالكل كان يقول اللهم نفسي واخذوا يدعون بأنه لا حب بين اثنين سوا المصلحة التي تجبرهم على الحب .
وأنا بهذه الطريقة لا أعارض ولكن أدافع عن نفسي وممن يعاني ما أعانيه فأبت نفسي ان اصمت وراء تلك الأقوال والشائعات التي تقول بأنه لا حب إلا للذات ولا حب إلا للمصلحة .
ومن هنا أبرهن ان الناس ليسوا كبعض من يحب بإخلاص ووفاء ويضحي بالكثير من اجل إنسانه دخلت قلبه واحبها حبا كبيرا وهي تتظاهر بأنها تحبه كما يحبها وعندما يصل الى نهاية المطاف يكتشف بأنها تلعب بعواطفه وتخدعه بأسلوبها العاطفي وفي هذه الحالة يكون مصيره الموت البطيء ويغلبه التفكير في أعماق الذكريات ويبدأ يحدث نفسه كي يجد لها العلاج الذي يخلصها من هذه الأزمة إلا ان كل المحاولات بائت بالفشل وبعدها يستسلم للقدر ويرفع الراية البيضاء في عيون الليل .
ومن هنا انطلقت دموع العين لتكتب وتصور ما حدث .
ففي إحدى ليالي التفكير الطويل قررت أن اكتب قصتي هذه لكي أقول للناس بان الحب اشتكى من هذه الشائعات وتلك الأقوال فأخذت تحطم كل معنى في معانيه إلى أن انهار وسقط جريحا على فراش لعلي اسميه فراش الموت .
وفعلا توصلت الى هوية الحب الجريح وبدأ يحدثني وهو يلفظ أنفاسه وقبل أن يودع الدنيا بلحظات .
لقد حدثني كما يتحدث الإنسان وكما ينطق إلا إن ذلك حدث كله في الخيال .
لقد حدثني وهو يحمل اجمل معاني الصبر واجمل كلمات الحب واجمل ذكريات الزمان التي قتلها الصمت ومزقتها هموم الحياة وغسلتها دموع العين وكفنها جليد الشتاء وصلى عليها ورد الربيع ودفنتها رياح الخريف .
ذلك هو ما رأيته في الخيال فلقد جاءني ذلك البطل وهو جريح يحمل جراح الزمن في قلبه وحتى على فراشة لا اسمع غير أنينه وبعدها بفترة جلست بجانبه أسأله من أنت ؟ وكيف جئت إلي هنا ؟ لكنه لم ينطق بكلمه واحدة … وانتظرت حتى تبرد جراحه فقال ألا تعرفني ؟ فقلت والغربة تشدني إليه . لا … فمن أنت ؟ فقال أنا جريح الزمن أنا الحب .. فقلت ، ومن فعل بك هكذا ؟ فقال .. انهم .. انهم .. الجبناء .
فقلت من هم ؟ فقال هم من ينتحلون شخصيتي لشراء قلوب البشر … فقلت وما شأنك أنت ؟ فقال : حاولت أن أدافع عن كرامتي لكني فوجئت برياح عاتية تجرح معاني الحب فلم اصمت وهذا ما حدث لي .
فقلت : وعمن تدافع ؟ وما إن أكملت سؤالي حتى بدأت أساطير الغرابة مشوارها وبدأت الرموز تتصعب اكثر .
واليكم ما قاله عن الحب …
لقد بدا حديثه عن الحب قائلا : إن الحب غريزة تولد مع كل إنسان وتنتهي دورة حياته بمجرد موته ، والإنسان بلا حب لا يستطيع ان يخالط البشر ولا يستطيع أن يتوصل إلى أحس اسهم ويتفهم مشاعرهم بشكل واضح ، وللحب طريقان يرسمهما شخصين ان اتفقا في كل حال من الأحوال ، فهما أما يتفقان على نهاية الحب الصادق ويكون هذا هو الأفضل إما ان يتفقان على ان يبتعدا عن بعض ولا ينظر أحدهما إلى الآخر مهما دارت الأيام ولا يذكر أحدهما الآخر أبدا مهما كانت الظروف وتبقى بينهما الذكرى الأليمة فقط .
فلما سمعت ما قاله أخذتني الغرابة اكثر وبدأت اقترب إليه لا افهم معنى ما قاله لكنى لم اكن كذلك فقد كانت الدهشة تغلبني وكادت تفقدني عقلي وكأنه أول إنسان يتحدث لي أو هو قادم من كوكب آخر .
وفي اللحظة التي كان يتحدث بها كان الصمت يلازمني والغرابة تمنعني حتى قال لا تستغرب .. فالحب يصنع المعجزات ، ولا تستغرب أيضا باني أحدثك فأنا إنسان صامت لا أتكلم إلا مع العشاق .. فقلت : الحقيقة تلك أم هي مجرد خيال ؟
فقال : بل حقيقة خيالية .
واخذ يكمل حديثة قائلا : إن حب الإنسان يتعلق عليه مصي حياته فهم بما يحب ذاته أو يحب مادة أو يطارد الدنيا لينال منها نصيبه ويكون في هذه الحالة حب مؤقت ينتهي بمجرد انتهاء المقصد الذي رسمه لنفسه عن طريق الحب ، أما حب الإنسان لمعشوقته حب لا يضاهيه حب فهو يفوق حب الذات ويفوق حب الدنيا بل وهو أيضا حب خيالي يجمع قلبين معا على الرغم من وجود كل لقب بعيدا عن الآخر قال أيضا أن كلمة حب تحمل حرفين فقط فيهما كثير من الرموز وكثير من الألغاز ومع كل ذلك فهي بسيطة ويسهل على أي إنسان كتابتها ويسهل عليه أيضا لفظها … ولكنها تصعب على أصحاب القلوب المتحجرة أن يترجموا رموزها إلى معاني مفهومه يتخذونها عنوان لحياتهم .
ذلك هو ما قله الحب المتمثل في شخصية انسهن يحتضر على فراش الموت البائس وما إن انتهى من حديثه ذلك الشخص حتى مالت عنقه وفاضت روحه .
ولما شاهدت ذلك سقطت الدموع من عيني بغزارة فكتبت على جبينه كلمه الحب أكملتها العبرات واعتذر صمتي وصرخت صرخة حطمت قضبان الصمت ثم بعد ذلك أغمضت عيناه بيدي ومسحت دموعه التي ذرفت حتى بعد أن مات وكانت كل دمعة تخرج من عينه ترسم لي الطريق الذي جب على أن اتبعه حتى لا تتراكم الأحزان وتفيض جوارحي من الهموم وبعدها غسلته بآخر ما تبقى بعيني من دموع وكفنته بغطاء ابيض كان يحمله قلبي … وبعد ان انتهيت حملته بين يدي وخرجت أطوف في شوارع المدينة في ساعة متأخرة من الليل اصرخ بالعشاق … الحب مات … الحب مات … واستمريت في ذلك طويلا واعتقدت بان جمع العشاق سوف تأتي تشيع ذلك البطل معا ، لكني فوجئت عندما نظرت يميني فلم أجد أحد … ونظرت شمالي فلم أجد أحد .. ونظرت خلفي فلم أجد من يشيعه فاتسعت جراح قلبي وازدادت دموع عيني غزارة وغلبتني الحسرة ، فاضطررت أن احمله وحدي على أكتاف الزمن .. واستمريت في ذلك سائرا الى ان وصلت طريقا لست ذاكرين هو ، فالطريق كان مظلما على الرغم من وجود أعمده لنور وضوء القمر وبريق النجوم … وأصبحت الدنيا سوداء لا أرى فيها غير الدموع ولا اسمع سوى الأنين ، ولم أتوقف حتى منعني القدر .
فانهارت قواي ولم استطع إكمال مسيرتي فوضعت ذلك الحب على الأرض والدموع لا زالت تتساقط من عيني لتصل الأرض فتفجر فيها آلاما وجروحا من الماضي ، فتجرح الأرض جرحا عميقا ليكون ذلك هو قبر الحب وبعدها عدت إلي مكاني أفكر في كلامه وعباراته الجارحة فنظرت إلى السماء وكأنها تريد ان تبكي ونظرت الى القمر فاختفى لكن نوره كتب عبارة تشع في سواد الليل فرفعت رأسي إلى أعلى فقرأت العبارة المعلقة في السماء تشير إلى معاني الحب ومعجزاته ، ورأيت النجوم تتشكل فكتبت ببريقها إن للحب لسان صامت …….. لا يتكلم إلا مع العشاق .